العَـالِي والنَّـازِل
العُلوُ هُوَ قِلَّةُ الوَسَائِطِ في السَّندِ، أوْ قِدَمُ سَمَاعِ الرَّاوي أو وَفاتهِ ( ).
وقَسَّمَهُ أَبُو الفَضْل بن طَاهِر( )، وَبَعْدَهُ ابنُ الصَّلَاحِ( )، وَمَنْ تَابَعَهُ كَالنَّووِي ( )، والعراقي ( )، وَابنُ جَمَاعَة، وَغَيرِهِم إِلى خمَسَةِ أَقْسَامٍ ( ).
قَالَ السَّخَاوِي( ): وَهيَ تَرجِعُ إِلى :
1- عُلُوِ مَسَافَةٍ، وَهُوَ قِلَّةُ الوَسَائِطِ.
2- وَإلى عُلُوِ صِفَةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ أَقسَامَ عُلُوِ المَسَافَةِ؛ ثَلاثَةٌ فَقَالَ:
فَالأَولُ مِن الأَقسَامِ مِمَّا هُوَ علُوُ مَسافَةٍ، علُوٌ مُطْلَقُ ( ):
وَهْوَ مَا فِيهِ قُربُ مِنْ حَيثُ العَدَدِ مِنْ الرَّسُولِ - صَلَى اللهُ عَليهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ -. ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ بِالنَّظَرِ لسَائِر الأسَانِيدِ.
وَتَارَةً بِالنِسْبَةِ إِلى سَنَدٍ آخَرٍ فَأكْثَرَ يَردُ بهِ ذَلكَ الحَديْث بِعينهِ عَدَدُهُ أكْثَر.
وَهَذَا القِسْمُ هُوَ الأفْضَلُ الأَجَلَُّ مِنْ بَاقِي أَقْسَامِهِ؛ وَأعْلَى مِنْ سَائِر العَوالِي، وَلكِنْ محَلُهُ إِنْ صَحَّ الإسْنَادُ بِالنَّقْلِ لأَنَّ القُرْبَ مَعَ ضَعفِهِ بِسَببِ بَعضِ رُوَاتهِ لَا اعْتِدَادَ بهِ وَلَا التِفَاتَ إِليهِ خصُوصًا إنِ اشْتَدَّ الضَعفُ حيثُ كَانَ مِنْ طَريقِ بَعضِ الكذَّابِينَ الذينَ ادَّعَوا السَّمَاعَ مِنَ الصَّحَابةِ كَأبي هدْبَةَ إبراهِيمُ بن هدْبَةَ، وَخرَاش، وَدِينَار.... ( ).
وَالثَّانِي مِنَ الأقْسَامِ، عُلُوٌ نِسْبِيٌ : وَهوَ قِسْمُ القُربِ إِلَى إِمَامٍ مِنْ أئِمَة الحَدِيثِ ذِي صِفَةٍ عَلِيةٍ مِنْ حِفْظٍ، وَفقْهٍ، وَضَبطٍ.
كَالأعْمَشِ، وَابنِ جُرَيجٍ، وَالأوْزَاعِي، وَشُعْبةَ، وَالثَّوْرِي، واللَيث، وَمَالك، وَابنِ عُيينَةَ، وَهُشَيْمٍ، وَغَيرِهِمْ...( ) .
والثَّالِثُ مِنَ الأقْسَام ( ): عُلُوٌ نِسبِي لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِنسْبَةٍ لِلكُتُبِ السِتَّةِ:
التِي هِيَ الصَّحِيحَانِ، وَالسُنَنِ الأرْبَع خَاصَّةً لَا مُطْلَقِ الكُتُبِ، عَلَى مَا هُوَ الأغْلَبُ مِنِ اسْتِعمَالِهم( ), وَاسْتَعمَلَهُ بعْضُهُمْ بِالنِسبَةِ لمُسنَدِ أحمَد.
ثُمَّ حَيثُ انقَضَت الأقْسَامُ الثَّلاثَةُ التي هِي عُلوُ المَسَافةِ، فَلنَشْرعْ في عُلوِ الصِّفَةِ, فَأوَلُ أَقْسَامِ عُلوِ الصِّفةِ، وَهوَ القِسْمُ الرَّابِعُ : عُلوُ الإسْنَادِ بِسَببِ قِدَمِ الوَفَاةِ في أحَدِ روَاتهِ بِالنِّسْبَةِ لرَاوٍ آخَرٍ مُتَأخِر الوَفَاةِ عَنهُ اشْتَركَ مَعهُ في الرِوَايةِ عَنْ شَيخِه بِعينهِ( ), وَمِمَّنْ صَرَّحَ بهذَا القِسْم في العُلوِ الخَليْلي في «الإرْشَادِ» ( ) فقال:
"قَدْ يَكُونُ الإسْنَادُ يَعلُو عَلى غَيرِهِ بتَقَدُّمِ مَوتِ رَاوِيهِ, وَإنْ كَانَا مُتسَاوِيَينِ في العَدَد" ( ) .
مِثَالهُ: أنَّ عَلِي بن أحمَد بن صَالِح حَدثَنَا عَنْ محمَد بن مَسعُود الأسدِي عَن سَهلِ بن زَنْجَلَة عَن وَكِيع .
وَحَدثَنَا محمَّدُ بن إسحَاق عَنْ أبيهِ عَن عَلي بن حَربٍ عَنْ وَكيعٍ.
فَسَهْلٌ أَعْلَى مِنْ عَلي بن حَربٍ، لِأنَّهُ مَاتَ قَبلَ عَلي بن حَربٍ بِعشْرينَ سَنَة.
وَمِنْ ذَلكَ: أنَّ رَجُلَين يَروِيَانِ عَنْ أحَدِ الأئمَّةِ ثُمَّ يَكُونُ أحَدُهمَا أَعْلَى؛ فَإنَّ قُتيبَة بن سَعيد يَروِي عن مَالِك ، وَمَاتَ سَنَةَ اثنتَين وَأرْبعِينَ وَمائتَين، وَيَروِي عَنْ مَالِك؛ عَبدُ الله بن وَهْبٍ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمائة، فَهُمَا سَواء في مَالِك، لَكن ابن وَهبٍ - لِقدَمِ مَوتِهِ، وجَلَالَتهِ - لَا يُوازِيهِ قُتيبَة مَعَ تَوثِيقِهِ وَصَلَاحِهِ ( ).
ثُمَّ يَليْهِ ثَانِي أقْسَامِ الصِّفَة، وَهوَ خَامِسُ الأقسَام:
عُلوُ الإسنَادِ بِسببِ قِدَمِ السَّمَاعِ لأحَدِ رَُوَاتهِ بالنِّسبَةِ لرَاوٍ آخَر اشْتَركَ مَعهُ في السَّماعِ منْ شَيخهِ، أوْ لرَاوٍ سَمِعَ مِنْ رَفيقٍ لِشَيخِهِ.
وَذَلكَ بِأنْ يَكونَ سَمَاعُ أحَدِهمَا مِنْ سِتِّين (أيْ سَنَةَ ) مَثلاً، وَالآخَر مِنْ أرْبَعيْن (أيْ سَنَة ) وَيتَسَاوَى العَدَدُ إِلَيهِمَا (أيْ عَدَدُ طَبقَات رُوَاةِ الإسْنَادِ )، فَالأوَلُ (أيْ الذي سَمِعَ مِنْ شَيخهِ مُنذُ سِتينَ سَنة ) أَعلَى سَوَاء تَقدَّمَتْ وَفَاتُهُ عَن الآخَر أوْ لَا( )(لأنَّهُ أقْدمُ في سَماعِهِ مِن الشَّيخ).
((وَ ضِدُّ العَالي. النازل : لِبعْدهِ، وَهوَ مَفضُولٌ عَلى الصَّحيحِ, وَقيلَ بتَفضِيلِه عَلى العَالَي لأنَّ التَّعَبَ فِيهِ أَكثَر بِالنَّظَر إِلى الفَحصِ وَالتَتَبعِ وَالبَحْثِ عَنْ كُلِ روَاتهِ فَالأجْرُ فيهِ أكْثر.
وَهَذَا مَذهَبٌ ضَعِيفُ الحُجَّةِ ( ) لِأنَّ كَثْرةَ المَشَقَةِ لَيسَتْ مَطلُوبةً لِنَفسِهَا، وَمُراعَاةُ المَعنَى المَقْصُودِ مِنَ الرِّوَايةِ،وَهُوَ الصِّحَةُ أوْلَى. أﻫ ( ).
وَالمُعتَمَدُ تَفضِيلُ العَالِي عَلى النَّازِلِ.
قَالَ العِرَاقِي: وَذَلكَ أنَّ المَقصُودَ مِنَ الحَدِيثِ التَّوَصُّلُ إِلى صحَّتِهِ، وَبُعْدُ الوَهَمِ ، وَكُلَّمَا كثُرَ رِجَالُ الإسنَادِ تَطرَّقَ إِليهِ احتِمَالُ الخَطَأ وَالخَلَلِ، وَكلَّمَا قَصُرَ السَنَدُ كَانَ أسْلمَ اللهُمَّ إِلاَّ أنْ يَكُونَ رِجَالُ السَندِ النَّازلِ، أَوْثقَ، أوْ أحْفَظَ، أوْ أفْقَهَ، وَنَحوَ ذَلكَ ( )، فَالنُزُول حِينَئِذٍ لَيسَ بمَذْمُومٍ بَل فَاضِل.
&&&&&