المرْفُوعُ
اخْتُلِفَ في حَدِّ الحَديثِ المرْفُوعِ: فَالمشْهُورُ أنَّهُ: مَا أُضيفَ إلى النبيِّ -صَلى الله عَليه وعَلى آلِه وسَلَّم- قَولاً لَه،أوْ فِعلاً،أوْ تًقْريرًا،أوْ وَصْفًا ( )، تَصْرِيحًا، أوْ حُكْمًا( ). فهَذهِ أربعةُ أُمُورٍ فقَطْ: قَول، أوْ فِعل،أوْ تَقْرير، أوْ وَصْف.
ومَا عَدَاهَا يَدخلُ تحتَهَا، فلا يَصلحُ جَعلُهَا في التَّعريفِ لأنَّ التَّعاريفَ تُصانُ عَنِ الإسْهَابِ كمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
فمَا يُضيفُهُ بعضُهُم هنَا مِنْ قَولِهم (( أوْ هَمٍّ، أوْ إشَارةٍ، أوْ كِتَابةٍ )) فيهِ نَظَرٌ لا يخفَى عَلى مُتأَمِل، فَالإشَارةُ، والكتَابةُ لا شَكَ دَاخلةُ في الفِعْل، وكَذَا الهَمَّةُ فَهِي خَفِيَةٌ لا يُطَّلَع عَليهَا إلا بِقولٍ، أو فِعْل.
وَسواءٌ أَضَافَهُ إِلى النَّبي - صَلى الله عَليه وعَلى آلِه وسَلَّم - صَحابيٌّ، أوْ تَابعيٌّ، أوْ مَنْ بَعدَهُمَا، وَسَواءٌ اتّصَلَ إسْنَادُهُ، أمْ لَا ( ).
وَسُمِيَ بالمَرفُوعِ لارْتفَاعِ رُتْبتِه بنِسْبَتِهِ وَإضَافَتهِ إِلى النَّبي - صَلى الله عَليه وَعَلى آلِه وسَلَّم - لأنَّ الكَلامَ يَرتفعُ في أَعلَى المقَامَاتِ، وَيتَشَرفُ بشرفِ مَنْ ينَسبُ إِليْه ( ).
تَنبيهَان:
الأول - يُنظرُ في المرفوعِ إِلى المتْنِ بغَضِ النَّظرِ عَنِ الإسْنَاد، فَلابدَّ أنْ يَكون المرفوعُ مَعْزُوًا إلى النَّبي - صَلى الله عَليه وعَلى آلِه وسَلَّم- وَلوْ قِيلَ فيهِ فقَط قَالَ رَسولُ الله - صَلى الله عَليهِ وَعلى آلِه وسَلَّم - سُمِّي مَرفُوعًا.
الثاني - لَا يشتَرطُ في المرْفُوعِ صحةُ السَندِ فمنهُ الصحيحُ، والحسنُ، والضعيفُ، وغَيرُ ذَلِك.
الموقوف
هو المَرْوِيُّ عَنِ الصَّحَابي، قَوْلاً لهُ، أوْ فِعلاً، أوْ نَحَوَهُ ممَّا للرَّأيِ فِيهِ مجَالٌ ( ), لِيخْرُجْ بِذَلِكَ مَا يَروِي الصَّحَابي مِنْ قَولِهِ أوْ فِعْلهِ، وَتَظْهرُ قَرينَةٌ تَقتَضِي رَفعَهُ لِكَونهِ ممَّا لَا مجَالَ للاجتِهَادِ فِيهِ، وَأنَّهُ لمْ يَقُلْهُ إِلَا تَوقِيفًا.
كَقَولِ عَائِشةَ -رَضِي اللهُ عنهَا-: فُرضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتينِ رَكْعَتين فَأُقِرَّتْ في السَّفَرِ، وزِيدَتْ في الحَضَر ( ).
فمثال القول:
قَول عَمَّار - رَضِيَ الله عَنهُ -: (( ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ, وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ, وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ )).
ومثال الفعل :
كَفِعْلِِ عُثمَانَ - رَضِيَ الله عَنهُ - في إتمَامِهِ الصَّلَاةَ في حَجَّتهِ بِمنَى، وَصَلَاتِه للظُهر أرْبعًا، والعَصر أرْبعًا.
تنبيه: إنِ استَعْمَلتَ المَوقُوفَ فِيمَا جَاءَ عن التَّابعينَ فَمَنْ بَعْدَهُم، فَقيِّدْهُ بِهمْ فَقُلْ: مَوقُوفٌ عَلى عَطاءٍ، أوْ عَلى طَاوسٍ، أوْ وَقَفهُ فُلانٌ عَلى مجَاهدٍ، وَنَحوَ ذلكَ( ).
المَقْـطُـوعُ
وهو الذِي أُضِيف للتابعي. أو الموْقُوفُ عَلى التَّابعي قَوْلاً، وفِعلاً ( ).
والتَّابعيُ عندَ أهْلِ الحَديثِ : هُو مَنْ لَقِيَ وَاحِدًا مِنَ الصَّحَابَةِ فَأكْثَر( ), وعَليهِ عَمَلُ الأكثَرينَ.
وبَعضُ أهْلِ العِلْم يقَسم التَّابِعين إِلى قسمين:
1- تَابعيٌ كَبيرٌ :
وهوَ مَنْ لَقِيَ جماعةً منَ الصَّحابِة وجَالَسهم وَكانتْ جُلُّ رِوايتهِ عَنهُم.
2- وَتَابعيٌ صَغيرُ :
وَهوَ منْ لمْ يَلْقَ مِنهُم إِلا العَددَ اليَسيرَ، أوْ لَقِيَ جَماعَةً إِلَا أنَّ جُلَّ رِوايته عن بعضِ التَّابعين ( ).
المُـسْـنَد
بضَمِِّ المِيمِ، وفَتحِ النُّونِ، وهوَ لُغةً: يَدلُّ عَلى انضِمَامِ الشَيء إِلى الشَيء ( ).
وأمَّا اصْطِلاحًا:
فَأحسَن مَا يُقَالُ في تَعرِيفِهِ: مَرفُوع صَحابِيٍّ بِسَنَدٍ مُتَّصِل ( ).
وهوَ أرْجَحُ الأقوالِ الثَّلاثَة في المُسنَد( ).
مِثَـالُ المُسْـنَـد:
قَالَ الإمِامُ أبُو يَعلَى في ’’مُسندِه ‘‘ (3 / 405):
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بن هِشَامٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرِ بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا لَقِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النُّقَبَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ لَهُمْ (( تُؤْوُنِي وَتَمْنَعُونِي )) قَالُوا: فَمَا لَنَا؟ قَالَ: (( لَكُمُ الْجَنَّةُ )).
قالَ العلَّامةُ الوَادعي في’’الصَّحيح المسنَد‘‘(1/180):
هذَا حديثٌ حَسنٌ.
وَسفيان هُو الثَّوري، وَدَاود هُو ابن أبي هِند ، وعَامِر هو الشَّعبِي.أهـ.
فهَذَا مِثالٌ للمُسنَد، حَكَمْنَا عَليهِ بأنَّهُ مُسنَد لأننَا نَظرنَا في إسنَادِه فوَجَدنَا الإسنَادَ مُتَّصِل، فَشيخُ أبي يَعْلَى صَرَّحَ بسَماعِه مِنْ معَاوية، ومعَاوية صَرَّحَ بِسماعِه مِن سفيَان، وَسفيَان رَواهُ عَن دَاود بِالعَنعنةِ، وَكذَا رَواهُ دَاود عَن عَامِر، وَعَامِر عَن جَابر، ولمَّا كَانَ لكُلٍ مِنهُم رِوايَة عَن صَاحِبه وَسمَاع قَبلنَا العَنعنَة المَوجُودة في هَذا الإسنَاد ، فتَمَّ لنَا بهذَا الحُكم بأنَّ الحَديثَ مُسنَدٌ, والله أعْلَم.
بَينما لو كانَ عِندنَا في هَذا المثَال أحَد الذين رَووهُ بالعَنعنَةِ مُدلِّسًا، وَلمْ يَسمَع ممنْ رواهُ عنهُ، فهَذَا وإنْ حَكَمنَا عَليهِ بأنَّهُ مُسنَدٌ ظَاهِرًا، تَبيَّنَ لنَا بعدَ البَحثِ وَالتَّنقِيب أنَّهُ غَير مُسنَد.
المُتَّــصِـل
ويقَالُ الموصُولُ،والمؤتَصِل – بالفَك،وَالهَمز- ( ).
وهو ما اتصل إلى منتهاه.
ومِن تَعَاريفِه: هُوَ أنْ يَسْلَم السَّندُ مِنْ ابتِدَائِه إِلى انتِهَائهِ مِنَ السَّقطِ حقِيقةً، وَحُكْمًا ( ) فَيكُون كُل رَاو سَمِعَ ذَلكَ الحَدِيثَ مِنْ شَيخِهِ،أوْ تَلقَّاهُ عنْهُ بطَريقةٍ مِنْ طُرقِ التَّحملِ المعْتَبرة.
وَهوَ إمَّا أنْ يتّصِلَ إِسنادُهُ إِلى النَبيِّ -صَلى الله عَليه وَعلى آلِه و سَلَّم-، أو يتّصلَ إِسنادُهُ إِلى أحدِ الصحَابةِ من قَولِه.
وأمَّا أقْوالُ التَّابعينَ إذا اتَّصلتِ الأَسانِيدُ إليهِم، فَلا يُسمُّونَها مُتصِلةً ( ).
قالَ ابنُ الصَّلاح( ): وَمُطْلَقُهُ، أيْ: المتَّصلِ، يَقعُ عَلى المَرفُوعِ والمَوقوفِ.
قالَ العَراقِي: وَإنَّما يَمتَنِعُ اسمُ المتَّصلِ في المقْطُوعِ في حَالةِ الإطْلاقِ , أمَّا معَ التَقييدِ فجَائزٌ، وَاقعٌ في كَلامِهِم، كَقولِهِم: هَذا مُتصلٌ إِلى سَعيدِ بن المسيِّبِ، أوْ إِلى الزُهريِّ، أو إِلى مَالكٍ ونحو ذَلك( ).
قِيلَ: وَالنُّكْتَةُ في ذَلك أنَّهَا تُسَمَّى مَقَاطِيع، فَإطْلاق المُتَّصل عَليهَا، كَالوَصْف لشَيء وَاحدٍ بمُتضادَين لُغَة ( ).
فائدة في :
الفرقُ بينَ المُسنَدِ، وَالمتَّصلِ، والمَرفوعِ:
أنَّ المرفوعَ يُنظرُ فِيه إِلى حَالِ المتْنِ، فَمتى أُضيفَ إِلى ذَاتِ خَيرِ الخَلقِ - صَلى الله عَليه وعَلى آلِه وَسَلَّم -، فهو المرفُوع من غَير نَظَرٍ إِلى اتِّصَالِ سَنَد أوْ انقِطَاعِه.
وأمَّا المتَصِلُ فينظَرُ فيهِ إِلى حَالِ السَّندِ مِنْ حيث شرطِ ذِكرِ كلِ الرُواة، وَسواء رَفعهُ، أو وقَفَه.
وأمَّا المُسنَدُ فينظرُ فيهِ إِلى الحَالينِ مَعًا (حَال السَّندِ والمتْنِ )، فَيجمَع شرْطَي الاتصَال، والرَّفع، فيكُونُ أخَص مِنْ كُلٍ منهُما، فَكل مُسندٍ مَرفُوع، وَكُل مُسندٍ متَصلٍ، وليْسَ كُل مَرفوعٍ مُسنَدًا، ولا كُل مُتصلٍ مُسنَدًا ( ).
&&&&&
مِثَالُ المتَّصِل المَرْفُوع المُسنَد:
قَالَ الإمَامُ أحمَد في’’مُسنَدِه‘‘ (5/260): حَدَّثَنَا زَيْدُ بن الْحُبَابِ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بن وَاقِدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وعَلى آلهِ وَسَلَّمَ -: (( التَّفْلُ فِي الْمَسْجِدِ سَيِّئَةٌ، وَدَفْنُهُ حَسَنَةٌ )).
قَالَ العَلَّامَةُ الوَادِعي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . أهـ.( )
فهَذَا الحَدِيثُ مُتَّصِلٌ، وَاتِّصَالُهُ ظَاهِرٌ، وَوَاضِحٌ، فَكُلُ رَاوٍ مِنْ رُواتِه صَرَّحَ بسَماعِه مِنْ شَيخِه.
وَهوَ أيْضًا مُسنَدٌ .
وَهوَ أيضًا مَرفُوعٌ.
فمِثْلُ هَذَا يُمكِن أنْ نَصِفَهُ بِالأوصَافِ الثَّلاثَة جُملَةً فنَقُولُ هَذَا حَديثٌ مُتَّصِلٌ, مُسنَدٌ, مَرفُوعٌ.
مِثَالُ المُتَّصِل المَوقُوف:
قَالَ الإمَامُ الدَّارِمِيُّ في ’’مُسنَدِه‘‘ (1/258):
أخبَرنَا محمَّدُ بنُ يُوسُف عَن سفيَان عَنِ الأعمَش عَن أبي وَائِل قَالَ: قَالَ عبدُ اللهِ بن مَسعُود- : تَعَلَّمُوا, فإنَّ أحَدَكُم لَا يَدرِي مَتَى يختَلَفُ إلَيه.
إسنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهوَ متَّصِلٌ، وَمَوقُوفٌ.
مِثَالُ المُتَّصِلُ المَقطُوعُ:
قَالَ الإمَامُ الدَّارِميُّ في’’مسنده‘‘(1/276): حَدَّثَنَا يَحْيَى بن حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ قَالَ: ((لاَ أَدْرِى نِصْفُ الْعِلْمِ )).
إسنَادُهُ صَحِيحٌ، فَكُلُ رَاوٍ سَمِعَ مِنْ شَيخِه، فَهوَ مُتَّصِلٌ إلى الشعبي، وَلكِنَّهُ مَقطُوعٌ، فَلَيسَ بِمُسنَدٍ، وَلَا مَرفُوعٍ.