المُسَـلْسَـلْ
قالَ بعضُ أهلِ اللغةِ: السَّلْسَلَةُ اتّصَالُ الشَيء بالشَيء، وَبذلكَ سُمّيتْ سِلسلَةُ الحديدِ،وسُمّيتْ بذلكَ لأنَّها ممتدَة في اتّصَالٍ، وَمِنْ ذلك تَسَلْسَلَ الماءُ في الحَلْق، إذَا جَرى ( ).
تَعريفهُ اصطِلاحًا: وردتْ عِدّةُ تعَارِيف للحَدِيثِ المسَلسَلِ في كُتبِ مُصطَلحِ الحَديثِ مِن أحسَنِهَا ما قَالَهٌ ابنُ جَمَاعَة : هُو مَا تَتابَع رجَالُ إسنادِه عنْد روايتِه عَلى صِفَةٍ، أوْ حَالةٍ، إِمَّا في الرَاوي، أوْ في الرِوايَة، وَصفَة الرَاوي إمَّا قَولٌ، أو فعلٌ، أو غيرُ ذلك ( ).
أقسَامُ المسَلسَل: قِسمان حَسَب التَّوارُد:
فَالأولُ: التَّوارُدُ عَلى حَالٍ.
والثَّاني: التَّوارُدُ عَلى وَصفٍ، وهاكَ تفْصِيلُهُمَا:
القِسمُ الأولُ: التَّواردُ عَلى حَال، وفيهِ ثلاثةُ فُروع:
الفَرعُ الأولُ: التَّواردُ عَلى قَولٍ: وَمنْ أمثِلتهِ المسلسَل بقولِ كلِ راوٍ(أنَا أُحِبُك فقُل), ذَكَرهُ بسندهِ العَلائِي( ) وهوَ حديثُ معَاذ مَرفُوعًا: ((إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقُلْ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )).
قَالَ العَلائِي: هذَا صحيحُ الإسنَادِ، والتَسلسل ( ).
الفَرعُ الثَّاني: التَواردُ عَلى فِعل؛ وَمِن أَمثِلتهِ: المسَلسلُ بوضعِ اليَد عَلى الرَأس.
ذَكرهُ العَلائِي( ): بسندهِ، إِلى أبي غَسان مَالك بن يحيى ثنا عَلي بن عَاصِم عَن سُهيل بن أبي صَالح عَن أبيهِ عَن أبي هُريرَة - رَضِيَ الله عَنهُ - قَالَ:
قَالَ رسولُ الله - صَلى الله عَليه وعَلى آلِه وسَلَّم - ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُنَجِّيهِ عَمَلُهُ مِنَ النَّارِ ولا يُدخِلُهُ الجنَّة. قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِى الله بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ.
وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ صلى الله عليه وسلم.
أصلُ الحَديثِ: في الصحيحين( ).
الحكمُ عَلى التَسلسُل:
قَالَ العَلائي( ): كَذا وَقعَ لنَا غَير متَصِل التَسلسُل مِن أَعْلَاه، أيْ أنَّ التَسلسُل فيهِ إِلى أَبي غَسان ثمَّ انقَطع بَعدهُ.
الفَرعُ الثَّالثُ: التَّواردُ عَلى قَولٍ وَفعلٍ، ومثالهُ: المسلسلُ بقبضِ اللحْيةِ وبقَولِه آمنْتُ بالقَدَر.
أَورَدَهُ الحَاكِمُ في’’معرفةِ عُلومِ الحَديثِ‘‘ ( )، ولمْ يحكُم عليهِ بصحةٍ أوْ ضعفٍ مِنْ حيث الأصْلِ أوْ التَسلسُل؛وَفي إسنادهِ يزيدُ بن أبَان الرَّقَاشي البَصري وَقد تُرك فَعَلى هَذا يكونُ ضَعيف الإسنادِ والتَسلسُل.
القسمُ الثَّاني: التَّواردُ عَلى وَصفٍ:
وهوَ أنْ يشتَركَ رواةُ الحَديثِ في وصفٍ لهُم ولهُ فروعٌ عدَّة منهَا( ):
الفَرعُ الأولُ: التَّواردُ عَلى وصفٍ للرُواةِ:
وَهوَ أنْ يكونَ التسلسلُ الواقعُ في السَندِ يقعُ ضِمنَ أوصَافِ الرُواة، وتنْقسمُ أوصافُ الرُواة، إِلى صفةٍ قَوليةٍ، وَصفَةٍ فعليةٍ ( ).
أَوَلاً: التَّواردُ عَلى أوصَافِ الرواةِ القَوليةِ: وهي مُقَارِبةٌ بَلْ ممَاثِلَةٌ لأحوَالِ الرُّوَاةِ القَولِيةِ( ) وهوَ أن يتفقَ الرواةُ عَلى صِفةٍ قَوليةٍ، تتَعَلقُ بالرَّاوي، مِثل أنْ يتفقُوا عَلى رِوايَة أصحِ حَديثٍ، أوْ غيرِ ذلكَ.
ومِنْ أمثِلتِه: المُسلسلُ بقراءةِ سورةِ الصَّفِ ، ذكرهُ العَلائي( ) بسنَدهِ إِلى الإمَامِ أبي محمَّد عبد الله الدَّارمِي أخبرنا مُحَمَّدُ بن كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سَلَامٍ قَالَ: قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى الله لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿سَبَّحَ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، حتّى خَتمهَا.
قَالَ عَبْدُ الله بن سَلَامٍ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -حتّى خَتمهَا .
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ سَلَامٍ حتّى خَتمهَا.
قَالَ يَحْيَى: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ.
قَالَ الأوْزَاعِيُّ فَقَرَأهَا عَلينَا يحيَى.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الْأَوْزَاعِيُّ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ كَثِيرٍ.
الحكْمُ عَلى الحديثِ والتسلسلِ: رواهُ الترمِذيُ( ) برقم( 3309)، وغيرُه.
قَالَ العَلامَةُ الوَادِعيُ في ’’الصَّحيحِ المسْنَد‘‘(1/415): هَذا صَحيحٌ، وَلَا يضُر الاختِلافُ فيهِ عَنْ الأوزَاعِي.... ". أ. هـ المُراد.
قالَ العَلائِي: هذا أصحُ حديثٍ مسلسلٍ وقَعَ لي متَصِلاً، وقَد أخْرجهُ التِرمذي عَن الإمَام الدَّارمي بِه ( ).
ثَانيًا: التواردُ عَلى أوْصافِ الرُواة الفِعْلية:وهوَ أنْ يتفِقَ الرُواةُ عَلى وَصفٍ لهُمْ من ابتِدَاءِ السَنَدِ إِلى آخِرهِ.
ويكونُ هَذَا الوصفُ فِعْلِيًا مِثْل الحِفْظِ, أو الفِقْهِ, أوالاتفَاقِ في أَمرِ, كالمحمدين, أو الدمشقيين, أو غيرِ ذلكَ ومِن الأمثِلةِ عَلى هَذا القِسْم( ):
1. الحدِيثُ المسَلسَلُ بِالحفَاظِ: ذَكرهُ العَلائِي بسنَدهِ( ) وقَالَ: هَذا إسنَادٌ عَجيبٌ جِدًا مِنْ تَسلسلِ الحُفاظِ مِنْ روايةِ الأقْرَانِ بعضِهم عَن بَعْض.
2. الحَديثُ المسَلسَلُ بالفُقَهَاءِ: ذَكرهُ العَلائِي ( ).
قالَ الشيخُ أبو عَمرو بن الصَلاح - رحمهُ الله -: هَذَا حديثٌ غَريبُ الإسنَاد، عَجيبُ السِلسِلة ( ).
الفَرعُ الثَّاني: التَّواردُ عَلى وَصفٍ يتَعلقُ بالتَّحمُل بِما يَرجعُ إِلى أمُورٍ( )
أ- كَصيغِ الأدَاءِ: كأنْ يتفقَ الرُواةُ عَلى قولِ حَدثنَا أوْ أَخبرنَا أوْ غيرهَا مِنْ صيغِ الأداءِ من ابتِداءِ السَندِ إِلى مُنتهَاه, ومن أمثِلتهِ: الحدِيثُ المسلسلُ بقولهِم حدَثنَا، وبقولهِم سمعتُ.
ب- وكتَأريخِ الرِّوايَة: كَأنْ يتفقَ الرُواةُ عَلى ذِكر تَأريخِ الرِوايَة كَأولِ حَديثٍ سمعهُ مِنْ شيخِه أوْ أنَّ الرَاوي آخِر مَنْ حَدثَ عَن شَيخِهِ.
مِنْ فَوائـدِ المُسَلْسَل:
قالَ ابنُ دقِيقِ العِيد : وَفائِدةُ المُسلسلِ أمْران:
أحدُهمَا:أنَّه قَد يَكونُ فيهِ اقتِدَاءٌ بِالنَّبي صَلى الله عَليه وَسلَّم فيمَا فَعَلهُ.
والثَّاني: أنْ يَكونَ مُفِيدًا لاتِّصَالِ الرِوايةِ، وعَدمِ انقطَاعِهَا، إذَا كَانت السِلسلةُ تقتَضِي ذلكَ، كقَولِه: سَمعتُ فُلانًا..( ) .